Journal Alissar – اليسار

ثائرة-بنّاءة-حرة

ذكرى ولادة الفيلسوف حبران خليل جبران

without comments

تصادف اليوم في 26 كانون الثاني من عام 1883 ذكرى ولادة الأديب والشاعر و الفيلسوف جبران خليل جبران – تخليدا للذكرى و فكر الفيلسوف ننشر مقالته :لكم لبنانكم و لي لبناني:

لكم لبنانكم ولي لبناني- جبران خليل جبران

كتب جبران خليل جبران سنة ألف وتسعماية وثلاثة وعشرين كتاب البدائع والطّرائف، تضمّن مجموعة مقالات وبعض القصائد. ومن ضمن هذه المجموعة مقالة “لكم لبنانكم ولي لبناني”، يعبّر فيها عن مدى غضبه واشمئزازه ممّن أسروا قدسيّة لبنان واعتقلوها في معابد أصنامهم الّتي صنعوها من أجل أن تكون مغاور يخبّئون فيها لصوصيّتهم.

والجدير بالذّكر أنّ هذه المقالة كُتبت بعد إعلان دولة لبنان الكبير سنة ألف وتسعماية وعشرين، وكان لبنان آنذاك تحت الانتداب الفرنسيّ الحاكم والمتحكّم بأمره، ولم يكن المسؤولون اللّبنانيّون سوى موظّفين رسميّين لدى الدّولة الفرنسيّة.

“لكم لبنانكم ولي لبناني”، عبارة تعبّر عن كلّ الأسى الّذي حمله جبران في نفسه تجاه من جعلوا لبنان ساحة صراعات طائفيّة ومذهبيّة وحزبيّة، وتحالفات سياسيّة مقيتة شوّهت جمال لبنان. فيفصل لبنانهم المستعبد لمصالحهم وطموحاتهم الجافّة وبين لبنانه الحرّ المضمّخ بعرق الفلّاحين وتغريد الشّحارير وحفيف أغصان الحور والسّنديان وصدى النّايات.

لبنان جبران موطن الطّهر والنّقاء يرسمه لوحة تجريدّية يعبق منها عطر مَن روت دماؤهم أرضه فحوّلت الوعر إلى حقول وبساتين وكروم. أولئك الّذين زرعوا سواعدهم في الصّخور فأنبتت لبنان الأخضر، وغرسوا كرمة براءتهم وصدقهم فأزهرت بكائرها كباراً يحملون في أكفّهم خيرات الأرض وأكاليل الغار على رؤوسهم. هم الّذين لا ينساقون للتّحالفات الخارجيّة بل يجتذبون القلوب إليهم أينما وجدوا. ويسكنون الأكواخ قصوراً ويهملون قصور الرّشوة والاستغلاليّة، ويبنون هياكل الشّعر والفكر يصلّون فيها لبنان الحبّ والجمال.

لبنان جبران منزّه عن الماديّات والخطابات المنمّقة لاسترضاء فلان وعلّان من أجل حفنة مال تشبع بطونهم الفارغة وتروي ظمأهم الفاحش. هو لبنان المتعالي بتواضعه عن كل رخيص ودنيء والمترفّع ببساطته عن الدّخول في زواريب المصالح الشّخصيّة والمآرب الماكرة.

لبنان ملح الأرض والّذي بدونه يفقد العالم لذّة الذّوق بالعلم والفكر والحضارة، وسراج العالم الّذي إن شحّ زيته، غرق فكره في ظلمة حالكة. لبنان الباحث عن الحقّ والخير والجمال، ويصبو بنظراته المتأمّلة إلى قلب الله.

“وماذا عسى أن يبقى من لبنانكم وأبناء لبنانكم بعد مئة سنة؟”. سؤال يدقّ مسماراً في ضمير من أوكلوا برعاية لبنان ومن المفترض أن يوقظ إنسانيّتهم الغارقة في الموت والعبوديّة. ولكنّ من استلذّ بالعبوديّة واعتاد أن تدوسه الأرجل المزيّنة بأوراق نقديّة لمّاعة ولامس وجهه تراب الفناء، كيف يرفع عينيه ليتطلّع إلى الحرّيّة؟

لبنانهم بعد مئة عام تسكنه الغربان تنعق حتّى يمتدّ نعيقها من شماله إلى جنوبه. وأفاعٍ تزحف أمام أعدائها تستعطف الرّضى لترمي لها فتاتاً تملأ بها جيوبها. لبنانهم بعد مئة عام يبيع سواعد رجاله ويتاجر بعرقهم ودمائهم ليشتري بها قبوراً مكلّسة يقّرّب فيها قرابين للشّياطين ويمارس فيها الشّعوذات ليسترضي آلهة الكفر والزّنى. لبنانهم ثعالب تقف على المنابر وتستثير غرائز النّاس وتحرض بعضهم على بعض، وتهتف باسم الدّين والأمّة وتصبّ اللّعنة على أبنائها.

Written by Raja Mallak

January 25th, 2023 at 7:26 pm

Posted in Thoughtsِ

Leave a Reply